القصة المرضية , تأريخ ومقدمة .
تخيل أن مريضا ما قدم إليك بشكاية تعب عام .!
ما الذي سيخطر بذهنك للوهلة الأولى ؟
نعم , العشرات من الأفكار والأمراض , أمراض الكبد , أمراض الدم , الأمراض الإستقلابية , الأورام , أمراض الهضم , وأمراض الغدد الصم , والعشرات وربما المئات من المتلازمات , وربما بسبب بعض الأدوية التي يتناولها المريض .
يبدو أن الطبيب في ورطة دائمة طالما أنه يحمل هذه الصفة , وبالمقابل , يتوقع مريضك أن تجد له تشخيصا لحالته خلال دقائق معدودة تلي بعض الإسئلة منك له , وبعد فحص سريري يستغرق كذلك عدة دقائق , وإن لم تنجح في نهاية الدقائق هذه في معرفة مرضه , فأنت طبيب فاشل .ِ!
لم تكن هذه القصة لتمر هكذا , دون بحث وسبر عميق , فأنت الان تدرس تراثا يمتد لعشرات السنين , وتراكمات كثيرة , هي ثمرة لدراسات إحصائية , وبحثية , وتجارب , فما بين يديك الان من مؤلفات وكتب وتوصيات , هي سبيلك , لممارسة المهنة بشكل أكاديمي , بعيدا عن التشتت , والضياع الذي كنا نظن أن طلبة الطب هم وحدهم من يعاني منه , لكن تكتشف مع مرور الوقت , أن هذا الأمر قد يرافق عددا ليس بالقليل من الأطباء الممارسين .
عندما تم اعتماد مادة الأعراض والتشخيص والتي تدرس غالبا في السنة الثالثة في كليات الطب البشري في كل دول العالم , كان الهدف منها هي ترتيب أفكار الطالب المقبل على السنوات السريرية , وتدريب ذهنه على أن الوصول للتشخيص يحتاج إلى طرق ثابتة ومدروسة وليست عشوائية , وأن التشابك الفظيع في الأعراض والعلامات السريرية في الأمراض لن يتم فكه ووضع التشخيص الصحيح للمرض إلا بهذه القواعد , وكذلك لتجنيب الممارس فرصة تفويت شيء غير ظاهر , وحتى تقل الأخطاء الطبية الناجمة عن إغفال العلامات والأعراض .
تبدو القصة في بدايتها معقدة نوعا ما , لكن ومع مرور الوقت , ستجد أن المتعة في ممارسة المهنة وفق القواعد التي قررها العلماء كبيرة جدا , وأن نسبة الأخطاء للممارس الذي يلتزم بها قليلة جدا , وحتى لو وقعت , فهو محمي قانونيا وغير ملام .
وكلما طالت المدة التي يلزم بها الممارس نفسه باتباع القواعد الموضوعة في الحصول على القصة المرضية , فإن مهاراته ستكون متقدمة جدا مع الوقت , وسيكون هذا أسلوب عمله ولن يستطيع التخلي عنه مستقبلا بعد أن تصبح هذه الطريقة جزءا أصيلا من ممارسته وشخصيته .
هل هذا الكلام مطبق بالفعل أم أنه كلام نظري فقط ؟
بحسب الدولة التي تعمل بها , ففي الدول الأوروبية والسوفيتية مثلا , فإن هذا النظام مطبق بشكل صارم وروتيني , بل في بعض الدول يصل التدقيق إلى المشاهدات اليومية ( ستتعرف لاحقا على هذا ) , كذلك فإن الكثير من الجامعات لاتدرس مادة الأعراض والتشخيص بشكل مجرد , بل يصل بهم تدريب الطالب إلى تسليمه مريض أسبوعيا , ويطالب هنا بتنظيم إضبارة كاملة للمريض , بحيث يقدمها لاحقا للمشرف على تدريبه .
هل هنالك حاجة لتكرار هذا الأمر مع كل مريض ؟
هذا الأمر يجب أن يكون مطبقا على كل المرضى في بداية الممارسة , ومع تجاوز بضعة سنوات , سيكون التعامل مع الحالات الشائعة سهلا للغاية , ولكن وحتى عند هذه المرحلة عند الأطباء المتمرسين , فإن كثرة الأخطاء ستقع بسبب إغفال السبر الكامل والأكاديمي للقصة المرضية , بل يتحول الكثير من الأطباء مع مرور الوقت إلى مقلدين بممارستهم , وأسرى لنمط العلاج العرضي فقط , دون القدرة على وضع تشاخيص لأمراض كثيرة عدا الأمراض الشائعة .
هل هذا الأمر ينطبق على جميع الأطباء ؟
مع مرور الوقت وبسبب التغافل عن إتباع الطريقة الأكاديمية في أخذ القصة المرضية واستجواب المريض , أو ربما بسبب جهل الطبيب نفسه بهذه القواعد , يتجه البعض لوضع طرق خاصة بهم , كطريقة التركيز على التشخيص التفريقي , بحيث يستعرض الطبيب بعد تسجيل شكاية مريضه , وعرضها على قائمة التشاخيص التفريقية الموافقة للعرض , ثم ينطلق من هنا , للسؤال عن مايوافق كل مرض وكذلك مايناسبه من إستقصاء .
أو الطريقة القائمة على نفي الأشيع , فهنا يلجأ الطبيب إلى نفي الأمراض الشائعة الموافقة لشكاية مريضه أولا , ثم يتجه إلى الأقل شيوعا في المرتبة الثانية وهكذا ..
وكمثال إضافي , قد يلجأ الطبيب إلى طرق خاطئة , كنفي الفرضيات , أو المقارنة التفصيلية للأعراض مع قائمة طويلة ومرهقة من الأمراض المحتملة , وهنا يبدأ الضياع , والتشتت , والتيه الذي لامخرج منه .!
يتبع ..