بعد أن إنتهينا في الحلقة الماضية من استعراض عناصر المعلومات الشخصية الخاصة بالمريض لتنظيم إضبارته بشكل أكاديمي , نكمل هنا معكم مع البند الثاني من عناصر الإضبارة المرضية , وهي عندنا هنا : شكاوى المريض .
هذا البند مهم جدا , ويعتبر محور الإضبارة , والأساس للوصول لتشخيص المرض , ينبغي التمعن جيدا في هذه الفقرات , لإنه سينبني عليها فهم كبيرلما سيأتي لاحقا , وقد تكون الفاصلة بين الطبيب الحاذق المتمرس وبين المقلد المشتت .!
شكاوى المريض :
يختلط هذا الأمر وبصورة غريبة على عدد كبير من طلبة الطب وحتى الأطباء , قد يعود السبب إلى قلة خبرة من يدرس هذه المادة في تبسيط قواعدها وأساسياتها قبل الخوض في تفاصيلها , على العموم , ورغم بساطة الأمر في جملته , نجد أن الملفات الطبية المرضية ( الأضابير ) تعج بالأخطاء خصوصا في هذا البند .
إعلم .!
أنك ستحصل على نوعين مع المعلومات من المريض , الأول : هو ماسيقدمه لك هو (الأعراض ) , الثاني : ماسوف تحصل عليه بنفسك ( العلامات ) .
مرة أخرى , تسمي بعض المراجع مايقدمه المريض لك بالأعراض , وماتحصل عليه أنت بالعلامات .
فالعرض : هو كلام المريض المقدم لك , أو الشكاية التي دفعته للقدوم إليك وطلب الخدمة الطبية , وهنا سيقدمها لك كـ ( كلام ووصف ) , أو قد يريك شيئا شاذا غير طبيعي شاهده هو , وهنا ستكون أمام معضلة .. تابع معنا ..
والعلامة : هي معلومات ستحصل عليها أنت من خلال فحصك للمريض ( ستتعلم لاحقا كل شيء ) .
مثال : مريض يشكو من سعال , هذا عرض , وشكاية , فلا يصح أن نقول أنه علامة ( بشكل مجرد ) , إنما يأتي دورنا في الفحص لتحديد شكل هذا السعال وإعطائه أوصافا متفق ٌ عليها في العرف الطبي , وكذلك ستتعلمها لاحقا , لاتقلق .
مثال آخر : لايصح أن نسجل في إضبارة المريض بأنه قدم للمشفى بشكاية إنخفاض سكر , لإن هذه علامة مخبرية , تكتشف بالفحص , وليس شكوى يتقدم إليك بها المريض , فانخفاض السكر يظهر كأعراض , بتعب ووهن شديد .. مثلا .
ركز مرة أخرى .!
الأعراض هي مايقدمه لك المريض , والعلامات هي ما تستخلصه أنت من خلال فحصك للمريض .
فما يقدمه المريض كجزء من مكونات الإضبارة يسمى subjective اي الذاتي .
وماتستخصله أنت بنفسك من خلال الفحص وغيره يسمى objective اي المدرك بالحواس .
أخطاء شائعة :
- قد ترى في إحدى التقارير من زميل غير مقتن : تم قبول مريض بشكاية إرتفاع توتر شرياني .!
هل توافقه على هذا الكلام ؟ عد إلى ما ذكرناه مسبقا .
لايعقل أن يأتي إليك المريض ويقول لك : أشكو من إرتفاع توتر شرياني , وأنت لن تسمح له بذلك , بل ينبغي أن يقول لك مثلا , أشعر بصداع وتعب منذ يومين ( وهذا عرض وشكاية ) , وعندما تقوم بفحصه تجد أن ضغطه مرتفع ( وهذه علامة ) , أو قد لايشكو المريض من أية أعراض , بل يأتي إليك لفحص روتيني , وأنت تكتشف أنه يعاني من إرتفاع توتر شرياني لاعرضي .
- قد يكتب زميل لك في تقريره عن مريض ما : تمت إحالة المريض بشكاية أذية كلوية حادة .!
هل توافقه على هذا الكلام ؟
فكر معنا ..
الأذية الكلوية الحادة , هي جملة علامات مخبرية وربما سريرية , والمريض لايعرف بالضبط إن كانت قيم الكرياتينين والبولة مرتفعة عنده , بل سيأتي إليك ربما بشكاية تعب شديد , وإنقطاع بول تام , أو شح بول , وأنت من خلال فحصك له , وطلبك لإستقصاءات معينة , ستتوجه لتشخيص ( أذية كلوية حادة ) .
تذكر .!
لكل جهاز في الجسم , قائمة محددة من الأعراض والشكايات التي تدفع المريض للقدوم لطلب الخدمة الصحية , ستتعلم كل شيء في وقته .
عندنا هنا في بند شكاوى المريض عنصران مهمان .
إحفظ ↓
1 - الشكاية الرئيسية .
2 - الشكاوى الإضافية .
الشكاية الرئيسية :
في عنصر الشكاية الرئيسية , من بند شكاوى المريض ( وهو أحد الـ 12 عنصر المكون للإضبارة ) .
سنتعرف على المفتاح المؤدي للتشخيص , في حال تحصيله وتدقيقه بشكل جيد .
غالبا مايتوجه المريض إلى مقدم الرعاية الصحية ( الطبيب ) , بسبب تطور طرأ على صحته , إستدعى قدومه إليك كطبيب , ستجد أن المراجع مليئة بالأوصاف التي تحدد الشكايات والإعراض المتعلقة بكل جهاز في الجسم , لكن المريض سيستخدم هنا تعابيره الخاصة , ومستوى فهمه لإيصال شكايته لك , وأنت عليك أن تأخذ كلام المريض , وتطابقه على قائمة الأعراض التي درستها , لتصل إلى التوصيف الصحيح لشكاية المريض .
تعرف الشكاية الرئيسية , بإنها العرض الأكثر إزعاجا للمريض , والتي دفعته بالدرجة الأولى للتوجه للعيادة أو المشفى , لكن وكما نعلم , فإن الأمراض قد تتظاهر بطيف واسع من الأعراض , فكيف سنعرف ماهي الشكاية الرئيسية ؟
نتوجه للمريض بجمل توجهه للحديث عن شكايته الرئيسية ( الأساسية التي دفعته للقدوم إليك ) , كأن نسأله :
- ماهي المشكلة ؟
- ما الذي يزعجك ؟
- مما تشكو ؟
وربما لن تجد فرصة لسؤال بعض المرضى المتشوقين للحديث ( تعلم متى تقاطع .! ) .
وبعد جواب المريض نكون هنا أمام طريقتين :
الأولى : أن نأخذ الشكاية التي قدمها المريض كما هي , ونعتبرها الشكاية الرئيسية, لكن ليس بالضرورة أن تكون الشكاية الأهم , لإن تفاعل الناس مع الشكايات مختلف جدا , تبعا لتحمل المريض , ودرجة ثقافته .
قد يأتي إليك المريض مثلا بشكاية صداع بدأ منذ أسبوع , وأهمل مثلا ظهور بقع زرقاء داكنة مختلفة الأحجام على أمكان كثيرة في جسمه ( تشير لنزوف تحت الجلد ) , فالمريض هنا أهمل الشيء الأهم , وركز على مايزعجه فقط .
إنتبه : هل البقع الزرقاء الداكنة عرض أم علامة ؟
فكر ..!
الثانية : أن تستمع للمريض أولا , وتحصر جملة الأعراض التي يقدمها لك , ثم تنتقي العرض الذي تظن أنه الأقرب لمقاربتك ( لم نتكلم عن المقاربة بعد , لابأس ستأتي معنا ) , وهنا لن يفوتك شيء , لإنك تمشي بشكل مرتب ومتسلسل , وبالنهاية أنت رهن لما يشتكي منه المريض , وتبقى البقية عليك فيما سيأتي .
فمثلا : شكى إليك المريض , صداع , وإسهال , وتعب شديد .
يمكنك هنا أن تأخذ إحدى هذه الأعراض , وتبدأ منها , وتعتبر بقية الأعراض ثانوية للمرض .
- في الحديث عن الشكاية الرئيسية , نتوجه للتفصيل في العرض الرئيسي , بإن نترك مجالا للمريض ليتكلم عن الشكاية تحديدا , وبحيث نقاطعه عندما يخرج عن الموضوع ( ستجد هذا بشكل متواتر في الممارسة ) , بعد إنتهاء المريض من حديثه , نتأكد من حصولنا على تفصيل الشكاية الرئيسية من خلال الأسئلة التالية :
1 - متى بدأت مع التواتر : منذ متى بدأت الشكاية تحديدا , منذ ساعات , أيام , شهور , سنين , , تحدث كل يوم , كل أسبوع ..
2 - كيف بدأت : كيف بدأت الشكاية , بشكل مفاجئ , ببطء ( مدة تطور الشكاية ) .
3 - الصفة والإستمرارية : ماهي صفة هذه الشكاية , بالنسبة للألم مثلا : عاصر , حارق , ضاغط , يستمر لدقائق , لساعات , لأيام .
4 - الشدة : كيف يصف المريض شدة الشكاية : شديدة , متوسطة الشدة , خفيفة .
5 - بماذا تتحرض مع التوقيت : ماهي الأمور التي تحرض شكايته ( الزلة التفسية التي تتحرض مثلا بشم العطور , لاحظ المريض لن يقول لك أنها يعاني من زلة تنفسية , هذا المصطلح خاص بك كطبيب , بل سيقول : يشعر بضيق في النفس ) , وتحدث صباحا , مساءا , أو لايوجد وقت محدد .
6 - بماذا تهدأ : ماهي الأمور التي تخفف الشكاية ؟ الراحة مثلا ؟ تناول الطعام ؟ بدواء ما ؟ أو بوجود شخص ما أو ربما بإبتعاد شخص ما ؟!
7 - بالنسبة للألم : نسأل عن إنتشاره , إلى أين ينتشر الألم ؟
هل هنالك شكايات تكون عرضا وعلامة في نفس الوقت ؟
أجب على سؤال البقع الزرقاء , لنرى مدى فهمك لما نتحدث عنه .
يتبع ..